من عبور الأنهار إلى بيع البسكويت.. أطفال يصنعون مستقبلهم رغم الفقر والعنف
من عبور الأنهار إلى بيع البسكويت.. أطفال يصنعون مستقبلهم رغم الفقر والعنف
السؤال الذي يتكرر كل صباح.. "هل سأتمكن من الذهاب إلى المدرسة اليوم؟".. هذا ليس سؤالًا عابرًا يطرحه ملايين الأطفال في أمريكا اللاتينية، بل هو القلق الأول الذي يرافقهم كل صباح بين مدارس مغلقة بسبب العنف، مبانٍ مدمرة بفعل الكوارث، ورحلات محفوفة بالمخاطر، أو فقر يحرمهم من شراء زي مدرسي.. كلها أسباب تجعل أبسط أحلام الطفولة –مقعد في الصف والحق في التعليم– أمرًا غير مضمون وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.
أبري، طفلة كوبية في التاسعة من عمرها، تعيش مع وحيد قرن قماشي تخبره أسرارها، هاجرت مع والدتها إلى الإكوادور بحثًا عن الأمان، لكنها وجدت واقعًا مثقلًا بالخوف والعزلة، تقول: "في كوبا كنت ألعب في الحديقة، هنا ليس لدي أصدقاء… لهذا ألعب مع كابا"، المدرسة بالنسبة لها مساحة أمل، لكن الوحدة والذكريات الثقيلة تجعلها عاجزة أحيانًا عن التركيز والتأقلم.
طرق محفوفة بالعنف
إيريكا، 12 عامًا، تواجه تحديًا أكبر: مجرد ذهابها إلى المدرسة قد يكون تهديدًا لحياتها، تعرضت لمحاولة خطف وهي في طريقها، ما جعل والدها يرافقها يوميًا، يقول بقلق: "أخشى أن تُحرم من أحلامها بالجامعة بسبب الخوف أو الحمل المبكر، في بلد تتجاهل مدارسه التربية الجنسية".
سراي، 11 عامًا من فنزويلا، هي الوحيدة من إخوتها التي تذهب إلى المدرسة في الإكوادور، أسرتها لا تستطيع شراء سوى دفتر واحد لجميع المواد، ولا تملك سوى أزياء مدرسية مستعملة، ومع ذلك، تحلم سراي أن تصبح محامية تكسر دائرة الفقر، أما يوليتزا، 16 عامًا، فتقطع ساعة ونصف يوميًا على دراجة نارية متهالكة لتصل إلى مدرسة أفضل، لأن المدرسة القريبة لا توفر معلمين، تقول: "أفكر أن أصبح طبيبة أو أخصائية نفسية.. لكن البداية من هذه الرحلة الصعبة".
غرايسي، 13 عامًا من بيرو، قررت أن تساعد أسرتها على طريقتها، إذ بدأت ببيع البسكويت في قريتها، ثم افتتحت متجرًا صغيرًا تموّل منه لوازمها المدرسية، تقول: "أريد أن أصبح محامية، لكن الجامعة مكلفة، لهذا أدخر قدر الإمكان وأعلّم أخواتي الادخار أيضًا".
ستالين، 14 عامًا، يواجه نهرًا غاضبًا كل يوم في طريقه إلى مدرسته شمال بيرو، أحيانًا يمنعه الفيضان من الدراسة لأسابيع كاملة. يقول: "أشعر أنني أتخلف عن زملائي، النهر يسرق مني دروسي"، لكنه لا يتوقف عن المحاولة.
التعليم على حافة الخطر
في كولومبيا، يُجبر الصراع والعنف المستمر صموئيل على تلقي دروسه عبر هاتف والده عندما لا يستطيع الخروج من المنزل، أما ييلي، 16 عامًا، فقد اضطرت للعمل في البيوت وترك المدرسة لفترة، لكنها عادت بفضل دعم "بلان إنترناشونال"، تقول بابتسامة: "أحب الفيزياء والكيمياء، لا أريد أن يضيع عمري بين الأعمال المنزلية فقط".
في حين يمشي برايان ساعات عبر طرق موحلة وخطرة، ويخشى الأفاعي والفقر معًا، يقول: "لا أشارك في لعب الكرة خوفًا من تمزيق بنطالي المدرسي، الذي دفع والدي ثمنه بعد أن باع دجاجنا"، أما لياندرو، 11 عامًا من بوليفيا، فيسير بمحاذاة طريق سريع بلا حماية، حيث الموت يمر مسرعًا بجانبه كل صباح.
كارلا وجانيت تدرسان في مدرسة داخلية بعيدة لأن مدينتهما تفتقر لمدارس ثانوية، تعيشان الوحدة وتفتقدان الأسرة، لكنهما تواصلان الصمود، كارلا تقول: "بدون زي مدرسي لا أستطيع الذهاب، لذلك نظّم أهل القرية حملة تبرعات لمساعدتنا".
أما داليتا، أم عزباء في بوليفيا، فتعمل 14 ساعة يوميًا لتأمين التعليم لأطفالها. تقول: "أنا الأم والأب في آن واحد. لن أستسلم مهما كان الثمن، فقط كي يبقوا في المدرسة".
أكثر من مجرد صف
فيوليتا، 11 عامًا، تجد في المدرسة ملاذًا للأمان وأحلامًا بالرقص على المسرح تقول: "أشعر بالسعادة وأنا أرقص، المدرسة هي المكان الوحيد الذي أشعر فيه بالأمان"، لكنها تعرف أن الطريق عبر الغابة قد يكون أخطر من كل شيء، خاصة على الفتيات.
بين الفقر والعنف والكوارث الطبيعية، لا يزال أطفال أمريكا اللاتينية يتمسكون بخيط الأمل الذي يُمثله التعليم، مدارس متهالكة ودفاتر ناقصة وزي مدرسي باهظ، تتحول جميعها إلى عوائق أمام حلم بسيط.. أن يظلوا طلابًا، ومع كل قصة ألم، يظل هناك إصرار وإيمان أن المدرسة ليست مجرد جدران، بل نافذة إلى حياة أكثر كرامة.